صدقة التطوع:

طريق إلى تزكية النفس وتنمية المجتمع

صدقة التطوع هي العطاء لوجه الله دون إلزام، وتشمل المال وغيره من أوجه الإحسان. إنَّ صدقة التطوع تمثِّل تجسيدًا عمليًا لمعاني الرحمة والتكافل في الإسلام، وهي ميدانٌ واسع للبذل يتنافس فيه أهل الخير رغبةً في مرضاة الله تعالى وخدمة المجتمع. والمقال التالي موجَّه إلى الشباب المسلم الملتزم، لتسليط الضوء على مفهوم صدقة التطوع وفضائلها وآدابها، وآثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، مع ذكر نماذج مُلهِمة من السلف الصالح والواقع الحديث، بهدف التشجيع على تبنّي هذا السلوك النبيل بانتظام في إطار العمل التطوعي.

تعريف صدقة التطوع والفرق بينها وبين الزكاة

صدقة التطوع هي ما يقدّمه المسلم من مالٍ أو جهدٍ أو منفعة تقرُّبًا إلى الله تعالى دون أن يكون مفروضًا عليه بأصل الشرع. وقد يطلق لفظ الصدقة في اللغة على الزكاة الواجبة أيضًا، لكن المتعارف عليه عند عامة الناس أن الزكاة هي الفريضة السنوية المعروفة، بينما صدقة التطوع هي الصدقة المستحبة غير الواجبةislamqa.info. والزكاة أحد أركان الإسلام وفرض عين على من توافرت فيه شروطها في أموال معينة وبمقادير محددة؛ فهي واجبة في الذهب والفضة والنقد وعروض التجارة والأنعام والزروع إذا بلغت نصابًا وحال عليها الحول، وتصرف إلى مصارف محددة نصَّ عليها القرآن الكريمislamqa.infoislamqa.info. أما صدقة التطوع فمجالها أوسع بكثير، إذ يُشرع الإنفاق فيها بأيِّ مقدار وفي أيِّ وقت ومن أيِّ مال حلال، وتصرف لكل محتاج أو وجه خير دون حصر في أصناف معينة. ولا يشترط لصدقة التطوع نصاب أو حول، ولا يُلام تاركها ترك إثمٍ أو عقوبة، بخلاف مانع الزكاة الذي توعده الله بالعذابislamqa.infoislamqa.info. ولهذا قيل إن الزكاة فرضٌ لازم والصدقة نافلةٌ وقُربة من أحب أعمال البر. ومن جميل ما ذكره العلماء أن تسمية الصدقة مشتقة من الصدق، لأنها دليل صدق إيمان صاحبها وإخلاصهislamqa.info؛ فبذله لما يحب من ماله ابتغاء مرضاة الله برهان على يقينه بوعد الله وثقته بالجزاء الأوفى.

وباختصار، صدقة التطوع هي عطاء طوعي ينبع من قلب المؤمن حبًا للخير ورغبةً في الأجر، لا إلزامًا ولا فريضة. وهي بذلك تختلف عن الزكاة المنظمة بفرضيتها وشروطها. وكلاهما يحقق معنى التكافل، إلّا أن صدقة التطوع مجال رحب للمزيد من البذل لمن أراد الزيادة في الأجر وتزكية النفس وتقوية روابط المجتمع.

فضل صدقة التطوع في القرآن الكريم والسنة النبوية

لقد حثَّ القرآن الكريم والسنة النبوية بقوة على البذل والإنفاق في سبيل الله، ووعد الله المتصدِّقين بالأجر العظيم والفضل العميم. يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾saadalkhathlan.com. هذا التصوير القرآني يبيّن أن النفقة في سبيل الله تنمو وتتضاعف بركةً وثوابًا أضعافًا كثيرة – سبعمائة ضعف كحد أدنى – بل وأكثر لمن شاء الله، إذا خرجت عن إخلاص وصدق نيةsaadalkhathlan.comsaadalkhathlan.com. وفي موضع آخر يعد الله المتصدّقين بمضاعفة الأجر ورزقٍ كريم: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ (الحديد: 18). ويؤكد سبحانه أن ما يخرج في سبيله لن يضيع بل يخلفه خيرًا وبركة: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾bonyan.ngo. بل جعل البذل من أحبّ ما يملك المرء سبيلًا لنيل البر والتقوى، فقال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: 92)، فجعل الإنفاق من أطيب المال وأحبّه شرطًا لنيل مراتب البر العاليةsaadalkhathlan.com.

أما السنة النبوية فزاخرة بالأحاديث التي تبيّن فضل الصدقة وعظيم أثرها. فقد عدَّها النبي ﷺ برهانًا على صدق الإيمانsaadalkhathlan.com؛ إذ قال: «والصدقة برهان»saadalkhathlan.com، بمعنى أنها دليل عملي على يقين المؤمن وثقته بوعد ربه – فالمنافق يأنف من الصدقة لضعف إيمانه، أما المؤمن فيبذل مما يحب ابتغاء ما هو أحبُّ إليه وهو رضوان اللهsaadalkhathlan.com. وأخبر النبي ﷺ أن الصدقة وقايةٌ وحمايةٌ للعبد، فقال: «صدقةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ»ehsan.org.sa. وفي حديث آخر: «الصدقةُ تُطفئ الخطيئةَ كما يُطفئ الماءُ النارَ»ensany.com، أي أنها تمحو الذنوب وتكفّر السيئات بفضل الله. ومن فضائلها أيضًا أنها لا تنقص المال بل تزيده بركة: يقول ﷺ «ما نقص مالٌ من صدقة»، وفي ذلك طمأنة للنفوس بأن الإنفاق في سبيل الله هو استثمار رابح مضمون الخلف والخيرbonyan.ngo.

ومن الكرامات التي أخبر بها النبي ﷺ: أن المتصدّق سيكون في ظلّ صدقته يوم القيامة حين تدنو الشمس من الخلائقbonyan.ngo. قال ﷺ: «كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقته حتى يُفصل بين الناس»bonyan.ngo؛ فكل درهم أو دينار بذله المؤمن خالصًا لوجه الله يظلّل صاحبه ويفزع له من هول الموقف العظيم يوم القيامة. بل إن الملائكة نفسها تدعو للمنفق كل يوم بخير الجزاء، كما في الحديث: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملَكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا (أي عوِّضه بخير)، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا»saadalkhathlan.com. فهنيئًا للمتصدّق دعاءُ ملَك السماء واستغفاره، وهنيئًا له محبةُ الناس في الأرض؛ إذ القلوب مجبولة على حب أهل الجود.

إن هذه النصوص وغيرها كثير تدل على أن فضل صدقة التطوع عظيم: فهي من أحب الأعمال إلى الله، تدفع البلاء وتجلب الرخاء، وتثمر للمجتمع أمنًا وتكافلًا، وللمتصدّق سكينةً وحسن عاقبة في الدنيا والآخرة. فما أحرى الشاب المسلم أن يغتنم صحته وطاقته في هذا المضمار المبارك، سعيًا للأجر ورفعة الدرجات.

آداب صدقة التطوع

رغم أن صدقة التطوع عملٌ تطوّعي غير مفروض، إلا أن الشرع الحنيف رسم للمسلم آدابًا سامية ينبغي التحلّي بها عند أداء هذه الصدقة، حتى يكون العطاء خالصًا مباركًا وينال ثمرته المرجوّة. من أهم هذه الآداب:

الإخلاص لله تعالى: وهو جوهر كل عمل صالح. على المتصدّق أن يبتغي بصدقته وجه الله وحده، لا رياءً ولا سمعةً ولا طلبَ مديحٍ أو شكرٍ من الناسsaadalkhathlan.com. فكلما خلصت النية زاد الأجر وعظُم القبول. وقد عدَّ النبي ﷺ الرجل الذي يتصدق فيخفي صدقته من السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم القيامة، فقال: «… ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»saadalkhathlan.com. وهذا كناية عن فرط إخلاصه وكتمانه للمعروف ابتغاء مرضاة الله وحده. فعلى الشاب المتصدّق أن يحرص على السرية قدر المستطاع، وأن لا ينتظر مدحًا أو مقابلًا من الناس، بل يستحضر قول الله تعالى في شأن الأبرار: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان: 9)saadalkhathlan.com. ومن الإخلاص أيضًا أن لا يمنعه مدح الناس إن حصل بعد ذلك من مواصلة الخير، ولكن نيته الأصلية ينبغي أن تبقى ابتغاء الأجر من الله.

الحفاظ على كرامة الفقير وتجنب المنّ والأذى: ينبغي للمتصدّق أن يعطي الصدقة بتواضع ورفق واحترام لمشاعر المحتاج، وألّا يتبع عطيته بمنٍّ (تذكيرٍ بالفضل) ولا بأذى كلامي أو فعلي. فإن فعل ذلك أذهب ثواب صدقته تمامًاsaadalkhathlan.comsaadalkhathlan.com. وقد حذَّر الله تعالى من هذا السلوك بسورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾saadalkhathlan.com. وشبَّه الذي يمن بعطائه بالمرائي الذي يحبط عمله، فمثله كمثل صخرة ملساء عليها تراب أصابها مطر غزير فأزال التراب فلم يبقَ شيءsaadalkhathlan.com. فالمنة تفسد الصدقة وتجرح مشاعر الفقير، بينما الكلمة الطيبة والدعاء له خيرٌ من صدقة يتبعها أذىsaadalkhathlan.com. لذا على المتطوع أن يعطي بطيب نفس وبشاشة وجه، ويعلم أنه بصدقته لا يتفضل على الفقير، بل الفقير متفضل عليه بقبولها ليؤجر هوfacebook.com. وليتذكر قول حكيم: “امْنُنْ بصدقتك على نفسك ولا تَمُنَّ بها على من تعطيه”.

اختيار أحسن المال وأطيبه للصدقة: فهذا من تمام شكر النعمة وحسن القربى. فإن الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيّبًا، وقد نزل قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران:92) امتحانًا للمؤمن في بذل ما يحبsaadalkhathlan.com. لذا فمن آداب الصدقة أن يخرجها المسلم من أجود ماله وأحبه إلى نفسه لا من رديء المال أو ما عافه. قال أحد العلماء: “من أخرج لله عز وجل شيئًا فليكن من أطيب ماله، وليوقن بأن الله يضاعف له أضعافًا”islamweb.net. وهذا ما فعله الصحابي الجليل أبو طلحة حين تصدق بأحب بستان لديه (بئر حاء) فور سماعه تلك الآيةsaadalkhathlan.com. فليقتدِ الشباب بأمثلة السلف، وليبذلوا من نفيس ما يملكون، فإن الله يخلف عليهم بخيرٍ مما أنفقوا.

السرعة والمبادرة إلى الصدقة: يستحب للمسلم ألا يؤخر فعل الخير ولا يسوّف في التصدق إذا تيسرت له فرصة، فالنفس قد تعترِيها الغفلة أو البخل مع التأجيل. وقد بادر النبي ﷺ بنفسه إلى توزيع مالٍ كان عنده فورًا، وقال: «كرهتُ أن يحبسني» أي لا يريد تأخير الصدقةsaadalkhathlan.com. والله تعالى يحضنا على السبق بالعطاء قبل فوات الأوان: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ۞ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾saadalkhathlan.com. ففي هذه الآية مشهد مؤثر: يتمنى المحتضر لو تأخرت منيته قليلًا ليبذل الصدقة التي بخل بها، ولكن هيهات وقد انتهى الأجلbonyan.ngo. فالفرصة سانحة الآن قبل الندم؛ بادر أخي الشاب بالصدقة حال قدرتك وصحتك، ولا تؤخرها فإن المال زائل والأجل لا يعلمه إلا الله.

إخفاء الصدقة عند الممكن وتجنّب الرياء: سرية العطاء أقرب للإخلاص وأبعد عن الرياء. فمن استطاع أن يعطي في الخفاء فليفعل، خصوصًا إذا كان ذلك أصون لنفسه ونفس الفقير. وقد مر بنا حديث “صدقة السر تطفئ غضب الرب”. وقال تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (البقرة: 271)bonyan.ngo، فإظهار الصدقة جائز وفيه خير، لكن إخفاءها – خصوصًا صدقة التطوع – أفضل لما فيه من تحقيق الإخلاص وسلامة الصدر من العُجبalukah.net. ومع ذلك، إذا اقتضت المصلحة إظهارها لتشجيع الآخرين على الخير وكان العبد آمِنًا من الرياء، فلا بأس أن يتصدق علنًا مع الحرص على نية صالحة. فالمعيار هو ما في القلب من قصد وجه الله.

هذه بعض الآداب الأساسية، ويلحق بها أيضًا: أن يقدِّم الأقرباء المحتاجين إن وُجدوا (فهم صدقة وصلة رحم في آنmawdoo3.com)، وألا يستصغر أيَّ عطاء – فدرهم بصدق وإخلاص قد يسبق مائة درهم رياءً -، وأن يُحسن اختيار موضع الصدقة بحيث تقع موقعها الصحيح وتحقق أكبر نفعislamweb.net. فإذا تحلّى المتطوع بهذه الآداب، أُثيب على صدقته أجرين: أجر البذل وأجر الأدب والتقوى، وصلحت صدقته لتزكية نفسه ونفع غيره بإذن الله.

الأثر الاجتماعي لصدقة التطوع

لا تقتصر بركات الصدقة على ثواب الآخرة أو الآثار الفردية فحسب، بل تمتد بقوة إلى بناء المجتمع وتماسكه. تُسهم صدقة التطوع في تقوية النسيج الاجتماعي من خلال رعاية الضعفاء والمساكين، مما يعزّز مبدأ التكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد الأمة. فالصدقة تردّ للفقراء حقهم وتسدّ حاجتهم، فتخفف عنهم معاناة الفقر والحاجةbonyan.ngo، وبذلك تقلل الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة وتقرّب القلوب بعضها من بعضensany.com. حين يبذل الأغنياء وأصحاب القدرة أموالهم ووقتهم لمساعدة المحتاجين، يشعر الجميع أننا جسدٌ واحد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وتنمو روح الأخوّة والمحبة في المجتمع لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.

الإخلاص لله تعالى: وهو جوهر كل عمل صالح. على المتصدّق أن يبتغي بصدقته وجه الله وحده، لا رياءً ولا سمعةً ولا طلبَ مديحٍ أو شكرٍ من الناسsaadalkhathlan.com. فكلما خلصت النية زاد الأجر وعظُم القبول. وقد عدَّ النبي ﷺ الرجل الذي يتصدق فيخفي صدقته من السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم القيامة، فقال: «… ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»saadalkhathlan.com. وهذا كناية عن فرط إخلاصه وكتمانه للمعروف ابتغاء مرضاة الله وحده. فعلى الشاب المتصدّق أن يحرص على السرية قدر المستطاع، وأن لا ينتظر مدحًا أو مقابلًا من الناس، بل يستحضر قول الله تعالى في شأن الأبرار: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان: 9)saadalkhathlan.com. ومن الإخلاص أيضًا أن لا يمنعه مدح الناس إن حصل بعد ذلك من مواصلة الخير، ولكن نيته الأصلية ينبغي أن تبقى ابتغاء الأجر من الله.

لقد جعل الإسلام الصدقة إحدى وسائل تحقيق العدل الاجتماعي؛ فهي في جوهرها نقل لبعض موارد المجتمع من الأغنياء إلى الفقراء بطريقة طوعية محبَّبة، مما يشيع الشعور بالمساواة والمودة. يقول أحد المتخصصين: “تُسهم الصدقة في تقوية الروابط الاجتماعية عبر دعم الفئات الضعيفة والمحتاجة، مما يعزّز التماسك والوحدة بين أفراد المجتمع”ensany.com. فهي تغرس في المجتمع قيَم الرحمة والتكافل، بحيث يشعر الفقير بأن هناك من يهتم به، ويشعر الغني بمسؤوليته وبدوره في علاج مشكلات مجتمعهsema-sy.org. وبهذا يختفي الحسد والبغضاء لتحلَّ محلها المودة والتراحم، فالغني يعطي الفقير شاكرًا لله، والفقير يدعو للغني ويحبه في الله.

إضافة إلى ذلك، تمتد آثار الصدقة المجتمعية إلى الحد من المشكلات الاجتماعية كالجريمة والتشرد. فالمحتاج الذي يجد يد العون تمتد إليه لن يفكّر في سلب حقوق الآخرين أو الحقد عليهم. كما أن مجهودات العمل التطوعي الخيري تسهم في تنمية المجتمع بإقامة المشروعات الخيرية – من مدارس ومشافٍ وآبارٍ وغيرها – ما يعود بالنفع على الجميع. وليس أدل على ذلك من انتشار الجمعيات الخيرية وبنوك الطعام والملابس ومبادرات الإغاثة في مجتمعنا اليوم؛ هذه كلها أوجهٌ من صدقة التطوع التي تعزّز التضامن الاجتماعي وترسّخ القيم الإنسانية الرفيعة.

ومن ناحية أخرى، عندما يرى الناس الشابّ المسلم يسعى في الخير متطوعًا بوقته وماله، فإنهم يألفون هذه الأخلاق الكريمة وينفتحون أكثر على مبادئ ديننا الحنيف. لقد كان سلوك التطوع والبذل عبر التاريخ الإسلامي سببًا في انتشار الإسلام والمحبّة بين الشعوب، لأن الناس “دينهم المعاملة”؛ فما أجمل أن تكون صدقات التطوع عنوانًا لنا كمسلمين، ننشر بها رسالة الرحمة والتكافل التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۞ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان: 8-9). وقد ذكر المفسرون أن الأسير آنذاك كان من المشركينislamqa.infoislamqa.info، مما يعني أن إطعامه – وهو غير مسلم – قربةٌ إلى الله، فما بالنا بأبناء الوطن والدين الواحد! إنها دعوة للتراحم مع جميع بني الإنسان، مما ينعكس أمنًا وسلامًا في المجتمع ككل.

باختصار، صدقة التطوع هي ركيزة أساسية في بناء المجتمع المتكافل المتراحم. فهي تقوّي العلاقات الاجتماعية، تنشر ثقافة العطاء والبذل، وتكون نموذجًا حيًا لتعاليم ديننا في التكافل. والمجتمع الذي تنتشر فيه هذه الروح الخيرية هو مجتمع قوي مترابط، تسوده الثقة والتعاون، ويتلاشى منه الشعور بالغربة أو التهميش. ولعل أعظم برهان على ذلك قول نبينا ﷺ: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد» – وما صدقة التطوع إلا تطبيق عملي لهذا التوادّ والتراحم.

الأثر النفسي لصدقة التطوع على المتطوع

لصدقة التطوع أثر نفسي عميق وإيجابي على نفس المتطوع؛ فهي ليست مجرد عطاء مادي، بل دواء للقلوب وسبيل لتحقيق السكينة والطمأنينة الداخلية. عندما يبذل الشاب من ماله أو وقته لإسعاد الآخرين، يتولّد لديه شعور غامر بالرضا عن النفس وبالسلام الداخليsema-sy.org. إن العطاء في حد ذاته يمنح صاحبه إحساسًا بالقيمة الذاتية وبأنه قادر على إحداث فرق إيجابي في حياة غيره، وهذا الشعور يعزز احترامه لذاته وثقته بشخصه. وقد أثبتت دراسات نفسية حديثة أن الأشخاص المنتظمين في أعمال التطوع والبذل هم أكثر سعادة وتفاؤلًا من غيرهمsema-sy.org، لأنهم يلمسون أثر عطائهم في الواقع ويرون الابتسامة ترتسم على وجوه من أعانوهم.

على الصعيد الروحي، يشعر المتطوع براحة الضمير وطمأنينة القلب، لأنه يعلم أنه يقوم بعمل يُرضي الله ويرتقي به في مدارج الكمال الإنساني. وهذا الشعور القلبي لا يقدّر بثمن، فهو ثمرة الإيمان الصادق وحلاوة فعل الخيرات. قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل: 97) – ولا ريب أن الحياة الطيبة تشمل سكينة النفس وانشراح الصدر. وقد جرّب الكثيرون أن الصدقة دواء للقلق والاكتئاب: فهي تخرج الإنسان من دائرة الاهتمام الضيق بالنفس إلى رحابة الاهتمام بالغير، فتخفّ مشاعر الوحدة والكآبةsema-sy.org. من يتصدّق ويخالط المستضعفين يشعر بالانتماء لمجتمعه وبأنه جزء فاعل ومفيد، بدل أن ينعزل بهمومه الخاصة.

جانب آخر مهم هو أن الصدقة تعلم الإنسان التواضع. حين يمدّ يده بالمعروف إلى من هو أقل حظًا في الدنيا، يدرك نعم الله عليه ويعرف قدر الدنيا الفانية، فلا يتكبّر ولا يغتر. كما يتعلم التعاطف والرحمة من احتكاكه بأحوال المحتاجين. وكل ذلك يصقل شخصية الشاب المسلم ليصبح أكثر إيجابية وتعاونًا. ولهذا نرى أهل الخير والبذل غالبًا أشخاصًا بشوشين ومتفائلين، فقد روّت الصدقة عطش أرواحهم فاطمأنت، وزرعوا الأمل في نفوس الآخرين فعاد الأمل يملأ نفوسهم أيضًا.

ومن الأثر النفسي العظيم أيضًا: بركة المال والعمُر والشعور بالبركة في كل جوانب الحياة. كثير من المتصدّقين يلمسون بأنفسهم كيف أن ما يُخرجونه يعود عليهم أضعافًا في الرزق أو يُصرف عنهم من البلاء أضعاف ما بذلواal-watan.com. هذا يولّد يقينًا عجيبًا في قلوبهم ويعزِّز توكلهم على الله، فيحيون حياة مطمئنة بعيدة عن الخوف من الفقر أو الحرمان. كيف لا وقد وعدهم الصادق المصدوق ﷺ بذلك بقوله: «… وما تصدَّق أحدٌ بصدقةٍ من طيِّب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلا أخذها الرحمن بيمينه… فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فَلُوَّه (مهره الصغير) حتى تكون مثل الجبل» (رواه البخاري)؛ فيتيقّن المؤمن أن صدقته تنمو وتكبر عند الله، فيزداد انشراحًا وبذلًا.

وخلاصة القول، صدقة التطوع تغذي الروح وتبعث في النفس سرورًا لا يعرفه البخيل. هي دواء للقلق والحزن، لأن المتصدق يتعلق بالله ويرجو ثوابه، فيمسي قلبه آمنًا مطمئنًا. وهي سبب لنيل دعوات الصالحين وامتنان المحتاجين، مما يملأ القلب سعادةً وسرورًا. وقد قال بعض السلف: “لو يعلم المتصدق أن ماله يقع في يد الله قبل يد الفقير لكانت لذة العطاء لديه أعظم من لذة الأخذ”m.facebook.com. فالسعادة الحقيقية يُحسّها من يعطي لا من يأخذ؛ والمتصدق يذوق هذه السعادة كلما جاد بمعروف، فيزداد عطاءً لينهل المزيد من الراحة النفسية والتوفيق الرباني.

نماذج واقعية وقصص ملهمة من السلف والواقع

تزخر سير الصالحين عبر التاريخ بقصص رائعة عن البذل والعطاء، تركت لنا نماذج يُحتذى بها في صدقة التطوع. فجيل الصحابة الكرام رضي الله عنهم ضرب أروع الأمثلة في السخاء ابتغاء وجه الله، وكذلك من تبعهم بإحسان من السلف الصالح. سنذكر هنا نماذج ملهمة سريعة تحفز الشباب على الاقتداء:

في أحد المواقف الخالدة، دعا النبي ﷺ الصحابة للتصدق في سبيل تجهيز جيش العسرة. وكان عمر بن الخطاب قد نال مالًا وفيرًا وقتها، فقال في نفسه: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا. فجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله يضعه بين يدي الرسول ﷺ. فسأله النبي: «ماذا أبقيتَ لأهلك؟» قال: أبقيتُ لهم مثله. ثم جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكل ماله الذي يملكه! فسأله النبي ﷺ: «ماذا أبقيتَ لأهلك؟» فقال كلمةً خالدة: «أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه». عندها قال عمر: والله لا أسبقك إلى شيء أبدًا يا أبا بكر!mawdoo3.com. إن مثل هذا التنافس الشريف في فعل الخيرات لهو خير قدوة لشبابنا؛ أن يتسابقوا فيما بينهم في مشاريع الصدقة والتطوع، كلٌّ يجتهد ليكون في المقدمة عند الله.

مثال آخر عظيم هو كرم عثمان بن عفان رضي الله عنه. في سنة من السنين أصاب الناس جدبٌ وقحط في المدينة المنورة زمن خلافة أبي بكر، وبينما هم في ضيقهم إذا بقافلة تجارة ضخمة لـعثمان تصل محمّلة بالبر والزيت والزبيب. فتجمع تُجّار المدينة يساومون عثمان ليشتري منهم، فعرضوا أن يربحوه بالدرهم درهمين (أي 100% ربحًا). فقال: وجدتُ من يزيد. قالوا: بالدرهم أربعة (400%). قال: وجدت أكثر. فزادوا إلى خمسة أضعاف. فقال لهم: لقد زادني غيركم أكثر من ذلك! فقالوا: من سبقنا من التجار؟ فقال: زادني الله تعالى بكل درهم عشرة؛ أي وعدني بعشرة أضعافsaadalkhathlan.com. ثم أعلن عثمان: إني أشهدكم أني جعلتُ هذه القافلة جميعها صدقة لله تعالى على الفقراء والمساكين. فتصدق بكل تلك الثروة الهائلة طمعًا في ما عند الله. فأيُّ نفوس عظيمة هذه التي أيقنت بوعد الله فعزفت عن أرباح الدنيا الزائلة! إنها قصص تبرز كيف تصنع الصدقة أبطالًا في العطاء.

ومن قصص الأنصار المشرقة: أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان يملك بستانًا من أجود بساتين المدينة يُسمى (بيرحاء)، وكان أحب أمواله إليه. فلما نزل قول الله ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ بادر فورًا إلى النبي ﷺ معلنًا أنه جعل تلك الحديقة الغنّاء صدقة في سبيل اللهsaadalkhathlan.com، رجاء برِّها وذُخرها عند الله. فقبل النبي ﷺ منه وأرشده أن يوزعها في أقاربه المحتاجين. فهذا مثال عملي على امتثال الصحابة لأوامر الله بدون تردد، وبذلهم أحب ما يملكون في سبيله.

كذلك عُرف من السلف الصالح مرثد بن عبد الله أبو الخير (من التابعين) الذي لم يكن يمر عليه يوم دون صدقة مهما كانت يسيرةsaadalkhathlan.com. يُروى أنه في يوم لم يجد ما يتصدق به إلا بضع بصلة! فحملها يبحث عمن يقبلها. فقال له بعض الناس: لم يوجب الله عليك هذا (أي لستَ مطالبًا يوميًا). فقال: إني لا أريد أن يمر علي يوم بلا صدقة، فلو بشق تمرة. وذكر أن رجلًا من أصحاب النبي ﷺ حدثه أن رسول الله قال: «المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة»saadalkhathlan.com. فكان هذا الحديث دافعه ليحرص على الصدقة كل يوم. ما أعظمها من همة عالية! يمكن لشباب اليوم الاقتداء بها ولو بالتبرع اليومي اليسير أو المساهمة بالأعمال الخيرية المعتادة، لكي يتحقق فيهم وصف “الذين هم للزكاة فاعلون” أي يداومون على إخراج الصدقات.

وإذا انتقلنا إلى واقعنا الحديث، سنجد أيضًا نماذج مُلهِمة كثيرة لشباب وظّفوا طاقاتهم لخدمة مجتمعاتهم من خلال التطوع والصدقات. فهناك حملات شبابية في أنحاء العالم الإسلامي لتنظيف المساجد، وإطعام المشردين، وجمع الملابس وتوزيعها في الشتاء على الفقراء، وكفالة الأيتام، وحملات التبرع بالدم التي ينظمها طلاب الجامعات، وغير ذلك كثير. رأينا في بعض المدن شبابًا يقفون عند إشارات المرور وقت الغروب في رمضان، يوزعون الماء والتمر على الصائمين المتأخرين في طريقهمal-watan.comal-watan.com. هذه مبادرات جميلة تبث روح الخير بين الناس. كما تشهد منصات التواصل الاجتماعي مبادرات تمويل جماعي لحالات إنسانية أو مشاريع خيرية، يقودها شباب واعٍ يجمع التبرعات إلكترونيًا ويوصلها لمستحقيها، مما سهّل على الكثيرين فعل الخير وساهم في انتشار ثقافة العطاء.

من الأمثلة الرائدة أيضًا فرقٌ تطوعية شبابية في بعض الدول (مثل فرق الإغاثة أثناء الكوارث أو فرق دعم اللاجئين) التي تأسست بجهود طلابية أو شبابية، ثم كبرت وأصبحت مؤسسات معترف بها. فريق ملهم التطوعي – على سبيل المثال – انطلق بأعضاء من الشباب الجامعيين لمساعدة اللاجئين السوريين، واعتمد بالكامل على صدقات التطوع من عامة الناس. خلال سنوات قليلة، استطاع هذا الفريق عبر حملاته المنظمة أن يجمع ملايين الدولارات ويوفر المأوى والتعليم والرعاية الصحية لآلاف المحتاجين، وكل ذلك بجهود تطوعية مخلصة. مثل هذه القصص المعاصرة دليل على أن الخير في أمة محمد ﷺ إلى قيام الساعة، وأن شبابنا قادرون على إحداث فرق كبير متى ما وُجدت العزيمة الصادقة والإخلاص.

حقًا، إن قراءة هذه النماذج واستحضارها تشعل في النفس الحماس لفعل الخيرات. فالقصص لها وقعٌ خاص في ترسيخ القيم؛ وقصص الصدقة خصوصًا تلهم الروح وتظهر عواقب البذل الحميدة. وكم نحتاج أن نحدّث شبابنا عن هذه المواقف المشرقة – سواء من تاريخنا المجيد أو من واقعنا الحالي – ليقتبسوا منها العزيمة والقدوة. فالتاريخ يعيد نفسه عندما تتشابه الدوافع والغايات؛ وما أشبه شبابنا اليوم بأولئك السابقين حين يحملون همّ الدين والمجتمع ويعملون لأجلهما.

الدعوة إلى تبنّي هذا السلوك النبيل بشكل منتظم

بعد أن تبيّن لنا عظمة صدقة التطوع وآثارها المباركة، تجدر الدعوة إلى تحويل هذا السلوك إلى عادةٍ راسخة في حياتنا. فالمطلوب ليس مجرد صدقة عابرة عند تأثّر عاطفي أو في موسم معين، بل أن يتبنّى الشاب المسلم نهج العطاء المستمر ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. وإليك بعض الوسائل العملية لتجعل صدقة التطوع جزءًا منتظمًا من حياتك وفي إطار العمل التطوعي:

اجعل لك نصيبًا ثابتًا من الصدقة: اقتطع مبلغًا يسيرًا (يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا) من مصروفك تنويه للتصدق، حتى لو كان صغيرًا. المهم هو الاستمرار والانتظام أكثر من كمية المال. قال ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل». يمكنك مثلاً أن تضع حصّالة في غرفتك تضع فيها ما تيسر كل يوم، ثم تفرغها لمستحقيها كل فترة. ستجد مع الوقت أنك لا تشعر بنقص المال، بل ترى البركة تحل فيه. وقد كان بعض السلف يتصدقون بشيء كل يوم، كما مرّ معنا في قصة أبي الخيرsaadalkhathlan.com، طمعًا بدعاء الملك لهم بالخلف.

استثمار التقنية والتسهيلات الحديثة: في عصرنا، جعلت التكنولوجيا فعل الخير أكثر سهولة ويسرًا. استفد من التطبيقات والمنصات الخيرية المتاحة التي تمكّنك من التبرع بضغطة زر وأنت جالس في بيتكsema-sy.org. كثير من الجمعيات توفر خاصية الاستقطاع الشهري التلقائي من حسابك بمبلغ تحدده أنت لصالح الأيتام أو المرضى أو غيرهم. هذه وسائل تنظيمية رائعة لضمان الاستمرار دون انقطاع. كذلك تابع صفحات المشاريع التطوعية على الإنترنت ووسائل التواصل؛ ستجد فرصًا كثيرة للمساهمة سواء بمالك أو بوقتك وجهدك.

انضم إلى فرق ومشاريع تطوعية: من أنفع السبل لترسيخ عادة التطوع أن تعمل ضمن فريق أو مجموعة لها أهداف خيرية. شارك في الأنشطة والمبادرات الشبابية في منطقتك – كحملات الإطعام، أو تنظيف الأحياء، أو زيارة المستشفيات – فهذه الأعمال الجماعية تضفي روح الحماس وتخلق بيئة صالحة تُشجع على الاستمرار. العمل التطوعي يبني الشخصية الجماعية وينمّي مهاراتك الاجتماعية، ويشعرك بالفخر كونك جزءًا من مشروع نافعal-watan.comal-watan.com. كما يمكنك أنت ومجموعة من أصدقائك إطلاق مبادرة صغيرة، مثل حملة لجمع الملابس في فصل الشتاء وتوزيعها، أو تنظيم دروس مجانية لطلبة محتاجين؛ ابدأوا ولو بمشروع متواضع ولكن واظبوا عليه، وستكبر الفكرة مع الزمن.

التنوع في أساليب الصدقة: حتى لا تملّ أو تشعر بالروتين، نوّع أعمالك التطوعية. فالصدقة كما أسلفنا ليست مالًا فقط، بل كل معروف صدقةbonyan.ngo. يومًا ساعد زميلك في دراسته، يومًا شارك بحملة تشجير في حيّك (فغرس الشجر صدقة جارية)، يومًا زر مريضًا أو مسنًا ليس له أحد (الزيارة والابتسامة صدقة)، يومًا تطوع في تنظيف مسجد أو توزيع ماء السبيل. هذا التنوع يجعلك دائم الاتصال بأبواب الخير المختلفة. وما أروع قول النبي ﷺ حين سأل أصحابه: «من أصبح منكم اليوم صائمًا؟… من تبع جنازة؟… من أطعم مسكينًا؟… من عاد مريضًا؟» وكلها أعمال تطوعية، فلما أجاب أبو بكر بأنه فعلها كلها في يوم واحد، قال ﷺ: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة»al-watan.com. ففي هذا إرشاد لنا أن نجمع من ألوان التطوع ما استطعنا، فكل باب منه يقربنا للجنة خطوة.

 

إشراك الأسرة والأصدقاء: حوِّل الصدقة إلى ثقافة عائلية تشترك فيها مع أهلك وأطفالك. علِّم أولادك منذ الصغر ادخار جزء من مصروفهم لمساعدة محتاج، أو زيارتهم معك لبيت فقير حاملين بعض الطعام. هذه التجارب العملية ستغرس فيهم قيمة العطاء والرحمة من نعومة أظفارهمsema-sy.org. وكذلك تواصَل مع أصدقائك وشجّعهم على الانضمام معك في عمل تطوعي مشترك، فصحبة الخير تعين وتشحذ الهمم. وربما تخصصون يومًا كل شهر تخرجون فيه سويًا لتقديم شيء نافع في المجتمع. بهذه الطريقة يصبح التطوع أمرًا محببًا ومترقبًا لديكم وليس عبئًا أو أمرًا نادر الحدوث.

أخيرًا، تذكّر دومًا وأنت تنفق وتعطي أن الله سبحانه هو المعطي الحقيقي وأن مالك ورزقك منه تعالى. فما تقدمه لغيرك إنما تقدمه لله، وترجعه لله الذي استخلفك فيهuinjkt.ac.id. وإذا أيقنت ذلك هان عليك البذل وزال عنك الخوف على الرزق، بل أصبحت تنفق وأنت واثق أن ما عند الله خيرٌ وأبقى وأنه سيخلف عليك أضعاف ما أنفقت في الدنيا والآخرة. وتذكّر أيضًا أن صدقة التطوع لا تعني فقط العطاء المادي، بل تشمل بذل الوقت والجهد والفكرة والكلمة الطيبة. فلا تحقرنّ من المعروف شيئًا؛ فرب ابتسامةٍ في وجه فقير كانت أعظم عند الله من مالٍ كثير يُعطى بتكبّر.

وفي الختام، إن صدقة التطوع بما تحمله من معانٍ روحية واجتماعية لن ترتقي بالمجتمع فحسب، بل ترتقي بالمتطوع نفسه في مدارج الكمال الإنساني. هي منهج حياة يُزكّي النفس من الشح والبخلstore.nafe3.sa، ويسمو بالروح إلى معالي الإيثار وحب الخير، ويعمّق صلة العبد بربه وبإخوانه في الإنسانية. فلنجعلها عادةً وعبادةً نلقى بها ربنا. وليكن شعارنا قول الحبيب المصطفى ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» – فكل صغير من الخير عظيم إذا صاحبه إخلاص وانتظام. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من أهل الجود والسخاء، وأن يوفق شباب المسلمين لتبني هذا السلوك النبيل نصرةً للدين وخدمةً للمجتمع، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.