إقليم الحوز

شحُّ المياه في إقليم الحوز بالمغرب

التطور التاريخي والأسباب وسبل المواجهة

إقليم الحوز الواقع جنوب غربي المغرب (جهة مراكش آسفي) يضم تجمعات قروية وجبلية تعتمد تقليديًا على الموارد المائية الآتية من جبال الأطلس الكبير. خلال العقود الماضية، تفاقمت مشكلة شُحّ المياه في هذا الإقليم بشكل ملحوظ نتيجة تضافر عوامل مناخية وبيئية وبشرية. فقد انخفض نصيب الفرد المغربي من المياه سنويًا من حوالي 2500 متر مكعب عام 1960 إلى أقل من 650 مترًا مكعبًا حاليًا، مع توقع انخفاضه لأقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030aljazeera.net. ويأتي ذلك بالتوازي مع توالي سنوات الجفاف وتراجع التساقطات، مما جعل توفير المياه الصالحة للشرب والري تحديًا تنمويًا واجتماعيًا رئيسيًا. نستعرض فيما يلي تطور أزمة المياه تاريخيًا في الحوز، وأهم العوامل المناخية والبيئية المسببة لها، إضافة إلى أبرز إجراءات الدولة المغربية للتخفيف من حدتها، ودور المجتمع المدني والساكنة المحلية في مواجهة هذه الأزمة.

التطور التاريخي لأزمة شُحّ المياه في الحوز

عانى المغرب خلال العقود الأخيرة من فترات جفاف متكررة؛ فخلال السبعين عامًا الماضية تعرضت البلاد لحوالي 20 موسم جفاف، إلا أن حدة التأثير تزايدت مع ارتفاع عدد السكان والتغيرات المناخيةaljazeera.net. في السنوات القليلة الماضية تفاقم الوضع بشكل غير مسبوق، حيث مر المغرب بستة أعوام متتالية من نقص الأمطار (2018-2023) كان أشدها عام 2022 الذي صنّف كأسوأ موجة جفاف منذ 40 سنةaljazeera.net. وقد أدى عجز الهطول المطري بحلول 2022 إلى انخفاض كبير في تدفق المياه نحو السدود (بعجز يقارب 85% في الموسم المطري 2021-2022)aljazeera.net، وانخفض مستوى المياه الجوفية في بعض المناطق بما بين 3 إلى 6 أمتارaljazeera.net. وفي إقليم الحوز تحديدًا، تراجع مستوى الموارد المائية تدريجيًا نتيجة هذه الظروف؛ وتناقصت على مدار سنوات كمية المياه المتاحة للري والشرب، مما استدعى دق ناقوس الخطر على المستوى المحلي.

سد لالة تكركوست في إقليم الحوز يشهد انخفاضًا حادًا في منسوب مياهه خلال الأعوام الأخيرة بسبب تأخر وتراجع التساقطات المطرية في المنطقةar.le360.ma. ويؤكد سكان القرى المحيطة بهذا السد أن تراجع مستوى المياه أثر سلبًا على النشاط الفلاحي وغيره من القطاعات المعتمدة على الموارد المائيةar.le360.ma، مما يهدد الاقتصاد المحلي والأمن المائي للساكنة. وقد بلغ معدل ملء السدود على الصعيد الوطني نحو 24% فقط مطلع عام 2024 وفقًا لتصريح وزير التجهيز والماء نزار بركةar.le360.ma، وهي نسبة منخفضة جدًا تعكس حدة الأزمة. وفي ظل هذه الأوضاع، بدأت السلطات المحلية في الحوز اتخاذ خطوات استباقية؛ حيث عُقد اجتماع للجنة الإقليمية للماء في فبراير 2022 بمقر عمالة الحوز لوضع خطة عمل عاجلة لترشيد استغلال الموارد المائية الشحيحةalalam.ma. وجاء هذا التحرك بتنفيذ توجيهات البرنامج الوطني للماء 2022-2027 بهدف إرساء سياسة مائية قوية تنقذ الإقليم من شبح العطشalalam.ma. ويمكن القول إن أزمة المياه في الحوز تطورت من وضع قابل للسيطرة قبل عقود إلى وضع حرج في السنوات الأخيرة، الأمر الذي استوجب تدخلات استراتيجية على كافة المستويات.

العوامل المناخية والبيئية المساهمة في الأزمة

العوامل المناخية (الطبيعية)

يُعد تغير المناخ وتوالي فترات الجفاف أهم العوامل التي أفضت إلى شح المياه في إقليم الحوز. فقد شهد المغرب عمومًا تراجعًا كبيرًا في معدل التساقطات المطرية وارتفاعًا في درجات الحرارة، خاصة في المناطق الجبلية التي تغذي منابع الأنهار. وتوالت سنوات الجفاف منذ أواخر العقد الماضي، ما أدى إلى تدنٍ غير مسبوق في حجم المياه المتدفقة بالأنهار والسدود. وتشير البيانات إلى أن الفترة 2018-2022 اتسمت بعجز مطري حاد قلّص واردات السدود بشكل كبيرaljazeera.net. وفي قرية تيديلي النائية بقيادة ازرقطن في أعالي الحوز تجلّت الآثار بوضوح؛ حيث عانت القرية طويلًا من أزمة عطش خانقة “بسبب توالي سنوات الجفاف وقلة التساقطات المطرية”assahraa.ma، وانخفضت الموارد المائية السطحية والجوفية إلى مستويات حرجة. كما أن ارتفاع الحرارة الناجم عن التغيرات المناخية أدى إلى زيادة تبخر المياه وقصر مواسم تساقط الثلوج على قمم الأطلس الكبير، ما قلّل من تغذية الفرشات المائية والينابيع التي يعتمد عليها الإقليم تقليديًا. وبذلك أسهمت الظروف المناخية القاسية في خلق وضع من الإجهاد المائي المزمن في المنطقة.

العوامل البيئية والبشرية

إلى جانب الجفاف، ساهمت عوامل بشرية وبيئية في تفاقم أزمة الماء بالحوز. من أبرزها الاستغلال المفرط وغير المستدام للمياه الجوفية والسطحية. فعلى مدى سنوات، اتسم تدبير موارد المياه بنوع من الهدر؛ إذ تُقدّر الدراسات أن حوالي 40% من مياه الري تُهدر بسبب قِدم قنوات الري وتسربهاaljazeera.net قبل وصولها إلى الحقول. كما أدى التوسع في زراعات كثيفة الاستهلاك المائي في بعض مناطق المغرب إلى استنزاف إضافي للموارد المائية. وتحمّل العديد من الجمعيات البيئية بعض الزراعات المسؤولية، مثل زراعة البطيخ الأحمر والأفوكادو التي تستهلك كميات هائلة من المياه (أزيد من 15 مليون متر مكعب سنويًا) وتستنزف المياه الجوفيةaljazeera.net. في إقليم الحوز نفسه، حذّرت جمعيات محلية معنية بتوفير الماء الشروب من الإفراط في استخراج أكثر من نصف المخزون الجوفي للمياه بالإقليم، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستمر في مستوى المياه الباطنية نتيجة أنماط استغلال غير مستدامةmarrakech7.com. ومما فاقم المشكلة انتشار حفر الآبار غير المرخّصة في عدة مناطق بالحوز لاستغلال المياه دون رقابةmarrakech7.com. وقد كشفت هذه الجمعيات أن العديد من أصحاب الضيعات الفلاحية وبعض الفيلات ودور الإيواء السياحي يقومون بسحب كميات كبيرة من الماء الجوفي لأغراض الري والترفيه، مما يُنذر بأزمة مياه شرب في الدواوير المجاورةmarrakech7.com. ونتيجة لهذا الضغط على الفرشة المائية، تجفّ العديد من الآبار خلال فصل الصيف في القرى النائية بالحوز بسبب الحرارة المفرطة وطول فترة الجفاف، إضافة إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية الناجم عن الاستغلال المفرط من قبل المزارع المجاورةmarrakech7.com. كل هذه العوامل البيئية والبشرية فاقمت ندرة الموارد المائية، وحولت الأزمة المناخية إلى مشكلة هيكلية مستدامة تتطلب معالجات جذرية.

تدابير وإجراءات الدولة المغربية لمواجهة شح المياه

أدركت الحكومة المغربية خطورة أزمة المياه في إقليم الحوز وباقي مناطق البلاد، فاعتمدت إستراتيجية متكاملة متعددة المحاور لتعزيز الأمن المائي والتكيف مع ندرة الموارد. فيما يلي أبرز إجراءات الدولة التي تم تبنيها في السنوات الأخيرة:

بناء السدود وتعزيز البنية التحتية المائية:

واصلت الدولة سياسة بناء السدود التي انتهجها المغرب منذ عقود لزيادة سعة التخزين المائي. يمتلك المغرب حاليًا حوالي 150 سدًا كبيرًا إضافة إلى عشرات السدود المتوسطة والصغرى، ويجري بناء 17 سدًا كبيرًا آخر لرفع القدرة التخزينية الإجمالية بنحو 4.9 مليار متر مكعبar.le360.maaljazeera.net. وفي إطار البرنامج الوطني للماء 2020-2027، تمّت برمجة إنشاء سدود جديدة لزيادة طاقة التخزين بحوالي 6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبةaljazeera.net. وبالنسبة لإقليم الحوز تحديدًا، تم إطلاق مشاريع سدود كبرى لتأمين موارد مائية مستدامة. من أهمها سد “آيت زيات” على وادي الزات الذي يعتبر أضخم مشروع مائي في تاريخ الإقليم. بلغت نسبة إنجاز هذا السد أكثر من 70% بحلول منتصف 2024، وتُقدَّر سعته التخزينية بحوالي 186 مليون متر مكعبar.le360.ma، مما يجعله أكبر سد في جهة مراكش آسفي ككل. ومن المتوقع افتتاحه أواخر سنة 2025 لتزويد عشرات الآلاف من سكان القرى بالماء الصالح للشرب وريّ الأراضي الفلاحية، إضافة إلى حماية المنطقة من الفيضاناتm.facebook.comar.le360.ma. رُصِد لهذا المشروع غلاف مالي يتجاوز 1.8 مليار درهمar.le360.ma، ويُرتقب أن يُساهم في خلق فرص شغل محلية (نحو 450 ألف يوم عمل أثناء الأشغال) وفك العزلة عن عدد من الدواوير عبر الطرق والمسالك التي أُنجزت للوصول إلى موقع السدar.le360.ma. وتراهن الدولة على مثل هذه المشاريع لتعزيز المخزون المائي الاستراتيجي، حيث شدد المسؤولون على تسريع وتيرة إنجاز السدود الكبرى والصغرى لرفع القدرة التخزينية إلى حوالي 24 مليار متر مكعب خلال السنوات القادمةal3omk.com.

تحلية مياه البحر كمصدر بديل:

في ظل التقلبات المناخية، تبنّت المملكة خيار تحلية مياه البحر لتأمين مياه الشرب والري للمناطق الساحلية وحتى الداخلية عبر النقل. يمتلك المغرب اليوم 9 محطات تحلية قيد الخدمة تنتج نحو 147 مليون متر مكعب سنويًا من المياه المحلّاةaljazeera.net، بالإضافة إلى 3 محطات أخرى موجهة للأغراض الزراعية والصناعية. وتستخدم نسبة 53% من المياه المنتجة من هذه المحطات لأغراض الشرب و24% للزراعة و23% للصناعةaljazeera.net. وتسعى الخطة الوطنية إلى إنشاء 20 محطة تحلية إجمالًا في أفق سنة 2030 للوصول بطاقة إنتاج تقارب 1.3 مليار متر مكعب سنويًاaljazeera.net. وقد أصبح خيار التحلية استراتيجية لا غنى عنها بحسب الخبراء لمواجهة شُحّ الموارد التقليديةaljazeera.net، رغم ما تتطلبه هذه المحطات من استثمارات ضخمة. وتعمل الحكومة حاليًا على تسريع إنجاز 7 محطات جديدة يفترض تشغيلها خلال سنتين إلى ثلاث، بهدف توفير المياه لعدد من المدن الكبرى المهددة بأزمة ماء الشرب مثل الدار البيضاء ومراكشaljazeera.net. وبذلك سيتم via خطوط الجر نقل مياه محلاة من الساحل إلى الداخل (كما في حالة إقليم الحوز المتاخم لمراكش) لتخفيف الضغط على الموارد المحلية. وقد أعلن المسؤولون حالة تعبئة شاملة لتدارك أي خصاص، حتى تم اقتراح حلول كسحب مياه البحر عبر خطوط أنابيب للمناطق البعيدة وضخها بعد التحلية لضمان استدامة التزويد بالماء

ترشيد استخدام المياه وإعادة تدويرها:

إلى جانب زيادة العرض المائي، ركزت الدولة على إدارة الطلب وترشيد الاستهلاك، لا سيما في القطاع الفلاحي الذي يستهلك حوالي 87% من موارد المغرب المائيةaljazeera.net. وفي هذا الصدد أطلقت وزارة الفلاحة برامج لتحديث أساليب الري وتشجيع تقنية الري بالتنقيط عوضًا عن الأساليب التقليدية التي تهدر الكثير من المياه. وبفضل هذه الجهود توسعت المساحات المجهزة بالري بالتنقيط من 160 ألف هكتار سنة 2008 إلى 770 ألف هكتار حاليًاaljazeera.net، مما مكّن من اقتصاد حوالي 2 مليار متر مكعب من المياه سنويًا كانت تضيع في الري السطحيaljazeera.net. وتطمح الوزارة إلى بلوغ مليون هكتار مسقية بالتنقيط بحلول 2030aljazeera.net من أصل 1.6 مليون هكتار من الأراضي المزروعة، الأمر الذي سيحقق وفرًا إضافيًا كبيرًا. كذلك اتجهت السياسات المائية إلى معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الري وتغطية الحاجيات غير الصالحة للشرب. فقد ارتفع حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة من نحو 30 مليون متر مكعب إلى حوالي 100 مليون متر مكعب سنويًا مؤخرًاaljazeera.net. ويتم توجيه هذه المياه المعالَجة لسقي المساحات الخضراء في المدن (كالمساحات السياحية بمراكش) وري الأشجار والمحاصيل العلفية في بعض المناطق عوض استخدام المياه العذبة. كما تبنّت وزارة التجهيز والماء مشروعًا وطنيًا لريادة مشاريع تجميع مياه الأمطار لتعزيز الموارد التقليدية، وذلك عبر إنشاء عشرات من الخزانات الجوفية التقليدية (المطفيات) والعتبات المائية الصغيرة. وتُنجَز حاليًا مشاريع لجمع مياه الأمطار بهدف تغذية الفرشات المائية ودعم تزويد سكان المدن والقرى بالماء الصالح للشرب، والمساهمة في توفير مياه الري للأنشطة الزراعيةmaadialna.ma. على سبيل المثال، خلال سنة 2024 وحدها واصلت الوزارة تنفيذ مشاريع تجميع مياه الأمطار بميزانية 44 مليون درهم، شملت إنشاء 16 مطفية في إقليم سيدي إفني و10 مطفيات في السمارة و8 مطفيات في شيشاوة المجاورة، إضافة إلى 10 أنظمة لحصد مياه الأمطار من أسطح المباني في أقاليم الرحامنة وخريبكة وغيرهاmarrakechalaan.com. ويجري أيضًا بناء عتبات مائية لتعزيز تغذية الفرشات الجوفية في عدة مناطق كتدابير للتكيف مع تغير المناخmaadialna.ma. هذه التقنيات والمشاريع المبتكرة من شأنها زيادة موارد المياه المتاحة وتقليل الهدر واستدامة الاستخدام في المدى البعيد.

التوعية وترشيد الاستهلاك على مستوى المستخدمين:

أطلقت السلطات حملات توعوية وتحسيسية واسعة النطاق لحثّ المواطنين والفلاحين على تبني سلوكيات موفرة للماء، إدراكًا منها أن تغيير العادات ضروري للتعامل مع الندرة. وشملت هذه الحملات رسائل إعلامية وشعارات وطنية (مثل حملة “قطرة ماء تساوي الحياة”) للتأكيد على قيمة كل قطرة ماء. وعلى الصعيد المحلي في الحوز، شُرع منذ 2022 في تنظيم حملات تحسيس بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وعقلنة استخدامهاalalam.ma عبر اللقاءات المباشرة ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وبالتوازي مع ذلك، اتخذت السلطات إجراءات تنظيمية صارمة لتقنين الاستهلاك ومنع تبذير المياه خلال فترات الأزمة. من هذه الإجراءات فرض قيود على بعض الاستخدامات غير الضرورية للماء: تم منع ري المساحات الخضراء بالمياه الصالحة للشرب أو المياه الجوفية، ومنع غسل السيارات والشاحنات خارج المحطات المخصصة لذلكalalam.ma، ودعوة المهنيين لاعتماد تقنيات تنظيف لا تستهلك الماء. كما مُنع غسل الشوارع والأماكن العامة بمياه صالحة للشرب، وتقرر التصدي بحزم لحفر الآبار غير المرخصة أو السحب الجائر من القنوات والينابيعalalam.ma. وإلى جانب تنظيم الطلب، اتخذت الدولة خطوات لضمان التوزيع العادل في أوقات الخصاص، منها تقنين حصص المياه الموزعة على المستعملين خاصة لأغراض الريalalam.ma، لضمان أولوية مياه الشرب. وفي سياق متصل، فعّلت الحكومة خططًا استعجالية لإغاثة المناطق الأكثر تضررًا من الجفاف، حيث تم تزويد القرى النائية في الحوز بالماء الصالح للشرب عبر شاحنات وصهاريج متنقلة بشكل منتظمalalam.ma للتخفيف من معاناة السكان خلال فترات الانقطاع. كما تتم تعبئة مختلف المتدخلين للحد من فاقد الماء في شبكات التوزيع والصرف، عبر صيانة البنى التحتية وضبط التسرباتalalam.ma. وتحظى قضية المياه بأولوية عليا لدى الدولة المغربية وبدعم من أعلى المستويات؛ إذ أكد جلالة الملك محمد السادس في عدة خطب على أهمية تسريع تنفيذ البرامج المائية المسطرة ضمن جداول زمنية محددة نظرًا لراهنيّة الموضوع وأثره المباشر على حياة المواطنين والاقتصاد الوطنيaljazeera.net. كل هذه الجهود الحكومية تأتي في إطار رؤية شاملة لتحصين المغرب عمومًا وإقليم الحوز خصوصًا ضد أخطار العطش وندرة الماء حاليًا ومستقبلًا.

مساهمات المجتمع المدني والجمعيات المحلية في مواجهة الأزمة

لم يقتصر التصدي لمعضلة شح المياه على تدخلات الدولة فحسب؛ بل لعب المجتمع المدني وسكان إقليم الحوز دورًا حيويًا في التخفيف من حدة الأزمة وتأمين احتياجات المواطنين الأساسية. تتنوع مبادرات المجتمع المدني في هذا المجال على عدة أصعدة، من أبرزها:

حملات التوعية المحلية وحماية الموارد:

قامت جمعيات المجتمع المدني المحلية وفعاليات سكان الحوز بتنظيم حملات توعية شعبية لتنبيه الساكنة إلى خطورة أزمة الماء وتشجيعهم على ترشيد الاستهلاك. كما انبرت هذه الجمعيات لتكون صوتًا ناقلًا لمشاكل السكان ومتطلباتهم فيما يخص المياه. على سبيل المثال، نبّهت جمعيات نشطة في توزيع الماء الشروب بعدة دواوير بالحوز إلى مخاطر الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية في الإقليم وحذّرت من استمرار الانخفاض في منسوبهاmarrakech7.com. وقد طالبت تلك الفعاليات بتدخل عاجل لوضع حد للاستخراج العشوائي للمياه وحماية الفرشة المائية ضمانًا لاستدامتها للأجيال المقبلةmarrakech7.com. هذه الجهود أثمرت وعيًا أكبر لدى الساكنة بأهمية المحافظة على كل قطرة ماء والابتعاد عن الممارسات التي تهدد الموارد، مثل السقي في أوقات الذروة أو ترك الصنابير مفتوحة أو الزراعات المستنزفة للماء. كما ساهمت جمعيات بيئية محلية في الضغط من أجل سنّ إجراءات تنظيمية (كمنع حفر الآبار دون ترخيص) ومراقبة المخالفين، وذلك بالتنسيق مع السلطات. ومن خلال الندوات واللقاءات المحلية، يواصل المجتمع المدني نشر ثقافة الاقتصاد في الماء واعتباره مسؤولية جماعية.

توزيع المياه وإغاثة المتضررين:

في ظل فترات الشح الشديد أو الطوارئ (مثل انقطاع المصادر المعتاد استخدامها أو وقوع كوارث طبيعية)، تنهض الجمعيات الخيرية والتعاونية بدور إسعافي لتزويد السكان بالماء. فقد أثبتت التجربة أن الجمعيات المحلية تتكفل بتزويد أكثر من 70% من سكان بعض مناطق الحوز بالماء الشروب عبر شبكاتها ومبادراتها، وذلك حين تعجز الجهات الرسمية عن إيصال الخدمة إما لعدم توفر اعتمادات كافية أو لصعوبة التضاريسmarrakech7.com. على سبيل المثال، قبل إنشاء شبكات حديثة، كانت كثير من الدواوير تعتمد على جمعيات مائية قروية تدير مياه الآبار أو العيون وتوزعها على الأهالي مقابل مساهمات رمزية، الأمر الذي ضمن استمرارية التزويد في غياب حلول أخرى. وفي أوقات الصيف الحار حين تجف المنابع، تنظم هذه الجمعيات حملات لجلب صهاريج مياه وتوزيعها مجانًا أو بثمن التكلفة على الأسر الأكثر تضررًا، ضمانًا لعدم انقطاع المياه عنهم. كذلك عند وقوع كارثة زلزال الحوز في سبتمبر 2023 الذي دمر البنية التحتية بعدد من القرى، سارع المجتمع المدني المغربي والدولي لتقديم يد العون؛ حيث قامت منظمات وجمعيات محلية ودولية بتسيير قوافل إغاثية يومية إلى المناطق المنكوبة محمّلة بالماء والغذاء. وعلى سبيل المثال، شاركت جمعية إنسانية أمريكية (GEM) في توزيع المياه الصالحة للشرب والطعام ومواد النظافة بشكل يومي على الأسر المتضررة بالقرى الجبلية والمناطق المحيطة بمراكش بعد الزلزالbarlamane.com. مثل هذه المبادرات خففت بشكل كبير من معاناة السكان في الأوقات العصيبة، وروّت عطش مئات العائلات التي انقطعت عنها إمدادات الماء بفعل الكارثة أو الجفاف. وتعزز صور التضامن هذه الشعور المجتمعي بالمسؤولية المشتركة في مواجهة أزمة ندرة الماء.

مشروعات حفر الآبار وتوفير مصادر مائية بديلة:

اتجهت العديد من الجمعيات الخيرية والتنموية إلى تنفيذ مشاريع لحفر وتجهيز آبار في القرى والمناطق المعزولة بإقليم الحوز بهدف تأمين مورد مائي قريب ومستدام للسكان. وتتم هذه المشاريع بتمويل من المتبرعين وجهود المتطوعين، وتنسّق أحيانًا مع السلطات المحلية لاختيار المواقع المناسبة وحفر الآبار بطرق علمية. وقد حققت هذه المبادرات نجاحات ملموسة، فعلى سبيل المثال قامت مؤسسة “عطاء” الخيرية عبر مشروعها “سقيا عطاء” بحفر بئر في قرية تيديلي بالحوز عام 2021، مما وفّر الماء الشروب لحوالي 500 نسمة وربط 66 منزلًا بشبكة المياه لأول مرةassahraa.ma. وشهدت تلك القرية احتفالات عارمة عند تدفق أولى قطرات الماء النظيفة من البئر، حيث اعتبرها الأهالي حدثًا تاريخيًا أنهى سنوات من المعاناة مع العطشassahraa.ma. وبالمثل، تعمل جمعيات أخرى (مثل جمعية مبادرة، وجمعية سقيا الماء، ومؤسسة إحسان وغيرها) على حفر آبار جماعية مزوّدة بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية لضمان استمرارية تدفق المياه وتقليل كلفة التشغيل. وتستهدف هذه الجهود الدواوير البعيدة عن الشبكة الرسمية أو التي جفت منابعها، وبذلك تساهم في سد الفجوة المائية وإنقاذ مئات الأسر من التنقل اليومي الشاق بحثًا عن الماء. إن انتشار هذه الآبار الجماعية حفّز أيضًا ثقافة التكافل بين سكان القرى، حيث يتعاونون في صيانة البئر وإدارة توزيع مياهه بشكل عادل، مما يعزز الإدارة المجتمعية المحلية للموارد المائية.

مبادرات تجميع مياه الأمطار والاستغلال الأمثل للموارد:

إلى جانب حفر الآبار، بدأت بعض المبادرات المجتمعية تتوجه نحو تجميع مياه الأمطار كحل بديل ومكمل لتوفير المياه في المناطق الجافة. ويقوم هذا النهج على إنشاء خزانات تقليدية (مطفيات) أو حديثة لتخزين مياه الأمطار خلال فصل الشتاء لاستخدامها في فصل الصيف. وقد شجعت عدة جمعيات سكان القرى على إحياء هذه الممارسات التراثية التي كان الأجداد يعتمدونها. فمثلًا، تم في بعض المدارس والمساجد القروية بناء صهاريج تحت الأرض لجمع مياه الأمطار من الأسطح، واستخدامها لاحقًا للشرب بعد ترشيحها أو لأغراض الري المحدودة. كما يجري التدريب على تقنيات بسيطة مثل تجميع مياه السيول في أحواض ترسيب للاستفادة منها في سقي المواشي والبساتين بدلًا من ضياعها. هذه الحلول الطبيعية لاقت دعمًا من الجهات الرسمية أيضًا، حيث تعمل وزارة التجهيز والماء على إنهاء إنجاز مشاريع تجميع مياه الأمطار بهدف تطعيم الفرشات المائية ودعم تزويد سكان القرى بالماء الشروبmaadialna.ma كما أسلفنا. وقد أثبتت هذه المشاريع نجاعتها في بعض الأقاليم الجنوبية والجبلية، ما دفع نشطاء في الحوز للمطالبة بتعميمها في قراهم. وتعكف حاليًا بعض الجمعيات بشراكة مع مجالس محلية على إعداد برامج لغرس فكرة “حصاد المياه” لدى المزارعين، وذلك عبر إنشاء أحواض صغيرة وسدود تلية لجمع مياه الأمطار الموسمية وتخزينها لاستعمالها خلال فترات الجفاف. ورغم أن هذه المبادرات لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تبشر بإشراك السكان مباشرة في إدارة مواردهم المائية المحلية والاعتماد بشكل أكبر على المياه المتجددة بدلاً من استنزاف المخزون الجوفي.

ختامًا،

تواجه منطقة الحوز – كسائر مناطق المغرب – تحديًا مصيريًا يتمثل في ندرة المياه وتأثيراتها على الحياة اليومية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. غير أن تظافر جهود الدولة (من خلال السياسات الاستباقية كبناء السدود والتحلية وإعادة الاستخدام) مع حيوية المجتمع المدني (عبر التوعية والتضامن وتأمين الحلول المبتكرة محليًا) يبث الأمل في القدرة على تجاوز هذه الأزمة. ومما لا شك فيه أن استمرار هذه الإجراءات والتكيف الدائم مع المعطيات المناخية المتغيرة سيكونان شرطين أساسيين لضمان الأمن المائي لإقليم الحوز وللمغرب عمومًا في قادم السنوات. فالماء مورد حياة وأساس كل تنمية، والتعامل معه بأقصى درجات الحكمة والترشيد أصبح واجبًا وضرورة ملحّة على الجميع حكومةً ومواطنين. المصادر المذكورة تعزز ما تقدم من معلومات حديثة، وتؤكد أن قضية المياه أصبحت في صلب الاهتمام الوطني لحماية حاضر المغرب وضمان مستقبل أجياله القادمة.